فصل: استيحاش مؤنس من المقتدر الثانية ومسيره إلى الموصل.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيحاش مؤنس من المقتدر الثانية ومسيره إلى الموصل.

كان الحسين بن القاسم بن عبد الله بن وهب وزيرا للمقتدر وكان مؤنس منحرفا عنه قبل الوزارة حتى أصلح بليق حاله عند مؤنس فوزر واختص به بنو البريدي وابن الفرات ثم بلغ مؤنسا أن الحسين قد واطأ جماعة من القواد في التدبير عليه فتنكر له مؤنس وضاقت الدنيا على الحسين وبلغه أن مؤنسا يكبسه فانتقل إلى الخلافة وكتب الحسين إلى هرون بن غريب الحال يستقدمه وكان مقيما بدير العاقول بعد انهزامه من مرداويج وكتب إلى محمد بن ياقوت يستقدمه من الأهواز فاستوحش مؤنس ثم جمع الحسين الرجال والغلمان الحجرية في دار الخلافة وأنفق فيهم فعظمت نفرة مؤنس وقدم هرون من الأهواز فخرج مؤنس مغاضبا للمقتدر وقصد الموصل وكتب الحسين إلى القواد الذين معه بالرجوع فرجع منهم جماعة وسار مؤنس في أصحابه ومواليه ومعه من الساجية ثمانمائة من رجالهم وتقدم الوزير بقبض أملاكه وأملاك من معه وأقطاعهم فحصل منه مال كثير واغتبط المقتدر به لذلك ولقبه عميد الدولة ورسم اسمه في السكة وأطلق يده في الولاية والعزل فولى على البصرة وأعمالها أبا يوسف يعقوب بن محمد البريدي على مبلغ ضمنه وكتب إلى سعيد وداود ابني حمدان وابن أخيهما ناصر الدولة الحسين بن عبد الله بمحاربة مؤنس فاجتمعوا على حربه إلا داود فإنه توقف لإحسان مؤنس إليه وتربيته إياه ثم غلبوا عليه فوافقهم على حربه وجمع مؤنس في طريقه رؤوساء العرب وأوهمهم أن الخليفة ولاه الموصل وديار ربيعة فنفر معه بعضهم واجتمع له من العسكر ثمانمائة وزحف إليه بنو حمدان في ثلاثين ألفا فهزمهم وملك مؤنس الموصل في صفر من سنة عشرين وجاءته العساكر من بغداد والشام ومصر رغبة في إحسانه وعاد ناصر الدولة بن حمدان إلى خدمته وأقام معه بالموصل ولحق سعيد ببغداد.

.مقتل المقتدر وبيعة القاهر.

ولما ملك مؤنس الموصل أقام بها تسعة واجتمعت العساكر فإنحدر إلى بغداد لقتال المقتدر وبعث المقتدر الجنود مع أبي محمد بن ياقوت وسعيد بن حمدان فرجع عنهم العسكر إلى بغداد ورجعوا وجاء مؤنس فنزل بباب الشماسية والقواد قبالته وندب المقتدر ابن خاله هرون بن غريب إلى الخوارج لقتاله فاعتذر ثم خرج وطالبوا المقتدر بالمال لنفقات الجند فاعتذر وأراد أن ينحدر إلى واسط ويستدعى العساكر من البصرة والأهواز وفارس وكرمان فرده ابن ياقوت عن ذلك وأخرجه للحرب وبين يديه الفقهاء والقواد والمصاحف مشهورة وعليه البردة والناس يحدقون به فانهزم أصحابه ولقيه علي بن بليق من أصحاب مؤنس فعظمه وأشار عليه بالرجوع ولحقه من المغاربة والبربر فقتلوه وحملوا رأسه وتركوه بالعراء فدفن هنالك ويقال إن علي بن بليق أشار إليهم بقتله ولما رأى مؤنس ذلك ندم وسقط في يده وقال: والله لنقتلن جميعا وتقدم إلى الشماسية وبعث من يحتاط على دار الخلافة وكان ذلك لخمس وعشرين سنة من خلافة المقتدر فاتسع الخرق وطمع أهل القاصية في الاستبداد وكان مهملا لأمور خلافته محكما للنساء والخدم في دولته مبذرا لأمواله ولما قتل لحق ابنه عبد الواحد بالمدائن ومعه هرون بن غريب الحال ومحمد بن ياقوت وإبراهيم بن راثق ثم اعتزم مؤنس على البيعة لولده أبي العباس وكان صغيرا فعذله وزيره أبو يعقوب إسمعيل النويحي في ولاية صغير في حجر أمه وأشار بأخيه أبي منصور محمد بن المعتضد فأجاب مؤنس إلى ذلك على كره وأحضر وبويع آخر شوال من سنة عشرين ولقبوه القاهر بالله واستخلفه مؤنس لنفسه ولحاجبه بليق وابنه علي واستقدم أبا علي بن مقلة من فارس فاستوزره واستحجب علي بن بليق ثم قبض على أم المقتدر وضربها على الأموال فحلفت فأمرها بحل أوقافها فامتنعت فأحضر هو القضاة وأشهد بحل أوقافها ووكل في بيعها فاشتراها الجند من أرزاقهم وصادر جميع حاشية المقتدر واشتد في البحث عن ولده وكبس عليهم المنازل إلى أن ظفر بأبي العباس الراضي وجماعة من أخوته وصادرهم وسلمهم علي بن بليق إلى كاتبه الحسين بن هرون فأحسن صحبتهم وقبض الوزير ابن مقلة على البريدي وأخوته وأصحابه وصادرهم على جملة من المال.

.خبر ابن المقتدر وأصحابه.

قد ذكرنا أن عبد الواحد بن المقتدر لحق بعد مقتل أبيه بالمدائن ومعه هرون بن غريب الحال ومفلح ومحمد بن ياقوت وابنا رائق ثم انحدروا منها إلى واسط وأقاموا بها وخشيهم القاهر على أمره واستأمن هرون بن غريب على أن يبذل ثلثمائة ألف دينار وتطلق له أملاكه فأمنه القاهر ومؤنس وكتب له بذلك وعقد له على أعمال ماه الكوفة وما سبذان ومهروبان وسار إلى بغداد وسار عبد الواحد بن المقتدر فيمن معه من واسط ثم إلى السوس وسوق الأهواز وطردوا العمال وجبوا الأموال وبعث مؤنس إليهم بليقا في العساكر وبذل أبو عبد الله البريدي في ولاية الأهواز خمسين ألف دينار فأنفقت في العساكر وسار معهم وانتهوا إلى واسط ثم إلى السوس فجاز عبد الواحد ومن معه من الأهواز إلى تستر ثم فارقه جميع القواد واستأمنوا إلى بليق إلا ابن ياقوت ومفلحا ومسرورا الخادم وكان محمد بن ياقوت مستبدا على جميعهم في الأموال والتصرف فنفروا لذلك واستأمنوا لأنفسهم ولابن المقتدر إلى بليق فأمنهم بعد أن استأمنوا محمد بن ياقوت وأذن لهم ثم استأمن هو على بليق إلى أمان القاهر ومؤنس وساروا إلى بغداد جميعهم فوفى لهم القاهر وأطلق لعبد الواحد أملاكه وترك لأمه المصادرة التي صادرها واستولى أبو عبد الله البريدي على أعمال فارس وأعاد أخوته إلى أعمالهم.